فصل: قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة الكافرون:
عدد 18 – 109.
نزلت في مكة بعد الماعون.
وهي ست آيات، ومثلها سورة الناس فقط.
وعشرون كلمة.
وأربعة وتسعون حرفا.
ويوجد في القرآن خمس سور مبدوءة بما بدأت به هذه والجن والإخلاص والفلق والناس.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 1} أمر اللّه رسوله أن يخاطب الرهط من قريش الذين قالوا له يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك بأن تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة، وهم أناس مخصوصون، علم اللّه أنهم لا يؤمنون فأذن له أن يقول لهم {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ 2} من الآلهة لأنها أوثان لا تضر ولا تنفع وهي من عمل البشر الذي هو من عمل اللّه ربي فمعاذ اللّه أن أشرك به غيره.
قالوا فاستلم لبعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك (الاستلام يكون باليد على طريق التبرك كاستلام الحجر الأسود) فلم يفعل وأنزل اللّه هذه السورة قال تعالى: {وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ 3} لأنكم تعبدون الأوثان وأنا أعبد الرحيم الرحمن الواحد الذي لا شريك له ولا رب غيره {وَلا أَنا عابِدٌ} الآن ولا في المستقبل {ما عَبَدْتُّمْ 4} من الأصنام وغيرها {وَلا أَنْتُمْ} الآن {عابِدُونَ ما أَعْبُدُ 5} ولعل اللّه أن يهديكم فيما بعد إذا أراد بكم خيرا، أما إذا بقيتم مصرين على ما أنتم عليه ولم تتابعوني إلى ما أرشدكم إليه في الدين القويم فأقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ} الذي تدينون به هو الإشراك باللّه وعليكم وزره {وَلِيَ دِينِ 6} الذي أدين به وهو الإخلاص للّه وحده ولي أجره، ولم يقل ديني لأن الآيات قبلها مختومة بالنون، ويجوز حذف الياء بلا حاذف مثل قوله تعالى: {يهدين} و{يحيين} و{يسقين} و{يشفين} من سورة الشعراء، وقوله: {وَالليل إِذا يَسْرِ} من سورة الفجر وما أشبه ذلك، فلما قرأها عليهم ايسوا منه وبادروا بأذاه، وقد سمى كفرهم دينا على حسب اعتقادهم، ولمشاكلة اللفظة وفي معنى الآية الأخيرة تهديد على حد قوله تعالى: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} الآية 20 من سورة فصلت والتكرار في الجملة الأولى يفيد التأكيد وكلما كانت الحاجة ماسة إلى التأكيد كان التكرار أحسن ولا موضع أحوج منه هنا، وذلك لأن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم، وبما أنهم كانوا وثنيين ينكرون البعث والتوحيد والنبوة فلا جرم أن التكرار لازم لهم لأجل التقرير، وقد تقربى في علم الاجتماع أن الدعوة تستدعي التأكيد والتكرار، وإذا تأملت في نظم القرآن وجدت أن ما ذكر موضوع منه لنكتة، لا يذكر في أخرى إلا لنكتة أخرى وإذا أمعنت النظر في قصة بدء الخليقة المكررة في مواقع كثيرة من القرآن عملت أنها في كل موقع لنكتة لا تجدها في الموضع الآخر كما سيتضح لك من إنعامك النظر فيما سيأتي من هذا القبيل إذا تذكرت وأبقيت هذا في فكرك.
وأن العرب من مذاهبهم التكرار أرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار وإرادة التخفيف ولا يجاز.
روي أن ابن مسعود دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال له «نابذ يا ابن مسعود» فقرأ هذه السورة في الركعة الأولى، ثم قال له في الركعة الثانية «أخلص»، فقرأ سورة الإخلاص، فلما سلم قال يا ابن مسعود «سل تجب.»
وهذه السورة محكمة غير منسوخة لأن القصر المستفاد من تقديم المستند قصر إفراد حتما، لأن المعنى فيه أن دينكم هو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول إلى، فلا تعلقوا فيه أمانيكم الفارغة فإن ذلك محال وان ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لما لا يتجاوزه إلى الحصول لكم، لأن اللّه تعالى ختم على قلوبكم فلا تنالونه، وقد مر أنهم كفار مخصوصون سبق في علم اللّه عدم إيمانهم وهم على ما قيل قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن عيد يغوث والأسود بن عبد المطلب بن أسد وأمية بن خلف وأضرابهم كأبي جهل وأبي لهب الذين ماتوا وقتلوا على كفرهم.
واعلم أن من الناس من يتمثل بالآية الأخيرة على معنى المتاركة وهو غير جائز لأن القرآن نزل ليتدبر ويعمل فيه لا ليتمثل به، راجع سورة الكوثر المارة وسورة الطارق الآتية لنقف على مثل هذا، وأعلم أن هذه السورة المبدوءة بلفظ قل يجوز قراءتها بغير قصد القرآن بلا لفظ قل، كأن يقول عند الخطاب يا أيها الكافرون، هو اللّه أحد، أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس، لأن الخطاب فيها وإن كان لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم فهي عامة لجميع المؤمنين، أما قل أوحي فلا، لأنها خاصة بحضرة الرسول فقط لأن اللّه خاطبه بها ليقصها على الجن والإنس وإذا سأله قومه عما ذكر فيها يقول لهم إن اللّه تعالى أوحى إلى بها، تأمل.
هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الكافرين:
مكية أو مدنية.
{ما أعبد} في الموضعين كاف.
آخرها تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الكافرون:
مكية أو مدنية.
{ما تعبدون} جائز على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل توكيدًا.
{ما أعبد} في الموضعين كاف.
آخر السورة تام. اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال الدمياطي:

سورة الكافرون:
مكية وقيل مدنية.
وآيها ست.
مر للأزرق ترقيق الراء المضمومة في نحو {الكافرون} في أصح الوجهين.
وأمال {عابدون} و{عابد} كل ما فيها هشام من طريق الحلواني وفتحه من طريق الداجوني كالباقين.
وفتح ياء الإضافة من {ولي دين} نافع والبزي بخلفه وهشام وحفص والوجهان للبزي في الشاطبية وغيرها وصححهما في النشر لكن قال إن الإسكان أكثر وأشهر.
وأثبت الياء من {دين} يعقوب في الحالين وافقه الحسن وصلا ففيها ياء إضافة وزائدة {ولي دين} الآية 6. اهـ.

.قال عبد الفتاح القاضي:

سورة الكافرون:
{الكافرون} رقق الراء ورش.
{ولي دين} فتح ياء ولي نافع وهشام وحفص والبزي بخلف عنه وأسكنها الباقون وهو الوجه الثاني للبزي وأثبت ياء دين وصلا ووقفا يعقوب وحذفها غيره في الحالين. اهـ.

.فصل في حجة القراءات: في السورة الكريمة:

قال ابن خالويه:
ومن سورة الكافرون:
قوله تعالى: {ولي دين} يقرأ بحركة الياء إلى الفتح وسكونها فالحجة لمن حركها انها حرف واحد اتصلت بحرف مكسور فقويت بالحركة لانها اسم والحجة لمن اسكن انها ياء اضافة اتصلت بلام مكسورة وحركتها تثقل فخففت بالاسكان. اهـ.

.فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة:

.قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم:

سورة الكافرون:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الكافرون: الآيات 1- 6]

{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

.الإعراب:

{أيّها} منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب {الكافرون} بدل من أيّ- أو عطف بيان عليه- تبعه في الرفع لفظا {لا} نافية {ما} موصول في محلّ نصب مفعول به والعائد محذوف..
جملة: {قل...} لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: {النداء...} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {لا أعبد...} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {تعبدون...} لا محلّ لها صلة الموصول {ما}.
3- (الواو) عاطفة {لا} الثانية نافية مهملة {ما} موصول في محلّ نصب مفعول به..
وجملة: {لا أنتم عابدون...} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {أعبد...} لا محلّ لها صلة الموصول {ما} الثاني.
4- 6 {لا أنا... عبدتم} مثل {لا أنتم... أعبد}، وقد تكرّرت مرة ثانية {لكم} متعلق بخبر مقدّم للمبتدأ {دينكم}، {لي} متعلق بخبر مقدّم للمبتدأ {دين}، وهو مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف.
وجملة: {لا أنا عابد...} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {عبدتم...} لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثالث.
وجملة: {لا أنتم عابدون...} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {أعبد...} لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الرابع.
وجملة: {لكم دينكم...} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {لي دين} لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة.

.البلاغة:

التكرار: في الآيات الكريمات، للتأكيد. فقوله تعالى: {وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ} تأكيد لقوله: {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ} تأكيد لقوله: {وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ}- وإن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتهم تكرار الكلام للتأكيد والإفهام، فيقول المجيب: بلى بلى، والممتنع لا لا. وعليه قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.

.الفوائد:

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}:
نزلت هذه السورة في رهط من قريش، منهم الحرث بن قيس السهميّ، والعاص بن وائل السهميّ، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، قالوا: يا محمد، هلّم اتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في ديننا كله، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا حظنا منه وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «معاذ اللّه أن أشرك به غيره»، قالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك، قال: «حتى أنظر ما يأتي من ربي»، فأنزل اللّه هذه السورة، فمضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه هؤلاء النفر، فقرأ السورة فوق رؤوسهم، فعند ذلك أيسوا منه وآذوه مع أصحابه. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(109) سورة الكافرون:
مكيّة.
وآياتها ستّ.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الكافرون: الآيات 1- 6]

{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

.الإعراب:

{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} قال رهط من المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم: هلمّ فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنّا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فأنزلها اللّه عزّ وجلّ..
و{قل} فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت و{يا} حرف نداء للمتوسط وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب وها للتنبيه و{الكافرون} بدل من أي أو نعت لها.
قال ابن خالويه: فإن سأل سائل فقال: التنبيه يدخل قبل الاسم المبهم نحو هذا فلم دخل هاهنا بعد أي؟ فقال: لأن أيا تضاف إلى ما بعدها فلولا أن التنبيه فصل بين الكافرين وأي لذهب الوهم إلى أنه مضاف.
{لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} {لا} نافية و{أعبد} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنا و{ما} موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به وجملة {تعبدون} صلة لا محل لها والعائد محذوف أي تعبدونه ويجوز أن تكون مصدرية فتكون مؤولة مع ما بعدها بمصدر مفعول مطلق.
{وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ} الواو عاطفة و{لا} نافية و{أنتم} مبتدأ و{عابدون} خبر و{ما} اسم موصول ووقعت للعقلاء على سبيل التعظيم مفعول به وجملة {أعبد} صلة أو ما مصدرية فتكون مع ما في حيّزها مفعولا مطلقا.
{وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ} عطف أيضا ويتحصل مما أورده المعربون في {ما} أنها بمعنى الذي فإن ان المراد بها الأصنام كما في الأولى والثالثة فالأمر واضح لأنهم غير عقلاء وما أصلها أن تكون لغير العقلاء وإذا أريد بها البارئ تعالى كما في الثانية والرابعة فاستدل به من جوّز وقوعها على أولي العلم ومن منع جعلها مصدرية والتقدير ولا أنتم عابدون عبادتي.
وقال أبو مسلم: {ما} في الأوليين بمعنى الذين والمقصود المعبود و{ما} في الأخريين مصدرية أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين فتحصل من مجموع ذلك ثلاثة أقوال:
1- أنها كلها بمعنى الذي.
2- أنها كلها مصدرية.
3- أو الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان.
ولقائل أن يقول لو قيل بأن الأولى والثالثة بمعنى الذي والثانية والرابعة مصدرية لكان حسنا حتى لا يلزم وقوع ما على أولي العلم. وسيأتي معنى التكرار في باب البلاغة.
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} {لكم} خبر مقدّم و{دينكم} مبتدأ مؤخر {ولي دين} عطف على ما تقدم.